المرض
عارضٌ يُتعب البدن، ويُرهق النفس، وربما تعذَّر معه الصيام إما لشدته،
وإما لاضطرار المريض أن يداوم على تناول الدواء، ودِيْنُ الله يُسرٌ،
وشَرعُ الله منوط بمصلحة الإنسان، والتكليف الإلهي مرتَبِط بوُسْعه قال -
تعالى -: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا}1، وليس من حكمة
الصوم التعسير على الناس، أو العنَت بهم، وهذا المعنى واضح في آيات الصيام
من سورة البقرة وضوحاً جليّاً إذ يقول - تعالى -: {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ
الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}2.
وانطلاقاً من يسر
الملة، وسهولة الشريعة؛ فقد أجاز الشارع للمريض أن يفطر في شهر رمضان فقال -
سبحانه وتعالى -: {وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ
مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ
بِكُمُ الْعُسْرَ}3.
ونورد هنا جملة من الأحكام الخاصة بصيام المريض نلخصها في الآتي:
*
المرض من الأعذار التي تبيح الإفطار في رمضان، فالمريض الذي يخاف تفاقم
علته بالصوم، أو إبطاء الشفاء، أو فساد عضو؛ فإنه يجوز له أن يفطر بل يسنّ
له الفطر، ويٌكره أن يحمل نفسه على الصيام، فليس من البر الصوم في المرض؛
لأن في صومه ضرراً، والقاعدة تقول: "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"،
وأما المرض الذي لا يتأثر بالصوم ونحوه من العلل الخفيفة فيجوز للصحيح أن
يفطر إذا غلب على ظنِّه أنه سيمرض بسبب الصيام.
* من أصبح صائماً ثم
طرأ عليه المرض جاز له أن يفطر، ولو كان صحيحاً فأرهقه الجوع والعطش حتى
خاف على نفسه الهلاك أو المرض جاز له أن يفطر، ثم يقضي ما أفطره من أيام.
*
من أفطر في رمضان لعذر المرض؛ فعليه بعد أن يشفى قضاء الأيام التي أفطرها
لقوله - تعالى -: {أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً
أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}4، فإن كان المرض لا
يُرجى برؤه فلا قضاء عليه، وإنما عليه الفدية - إطعام مسكين عن كل يوم من
غالب قوت البلد -.
* إذا لم يتمكن المريض ومن في حكمه من القضاء حتى
مات فلا شيء عليه؛ لأنه فرض لم يتمكن منه إلى الموت فسقط حكمه، ولا يصام
عنه، ولا كفارة فيه، أما إن زال المرض أو العذر وتمكن من القضاء لكنه لم
يقضِ حتى مات فالجمهور على أنه لا يُصام عنه؛ لأن الصوم كالصلاة واجب بأصل
الشرع لا يقضى عنه، ولا تدخله النيابة في الحياة ولا بعد الممات، وذهب
بعضهم إلى جواز أن يصوم عنه وليه لحديث أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من مات وعليه صيام صام عنه
وليُّه))5.
* المريض الذي يضطر لإجراء عملية جراحية؛ إن كانت
العملية بتخدير موضعي لا يفقد خلالها وعيه فإنها غير مفطرة، أما العمليات
الجراحية التي تجري بتخدير عام يّفقد المريض وعيه فإنها مفطرة، وحكمها حكم
الإغماء، والأولى تأجيل العمليات الجراحية الاختيارية أي غير المستعجلة إلى
ما بعد رمضان.
* ما يُعطى للمريض الصائم من حقن جلدية أو وريدية لا
يفطِّر، والأولَى للمريض الذي يحتاج إلى محاليل مغذية أن يفطر ثم يقضي ما
أفطره؛ لأنَّ الفطر يساعد جسمه على مقاومة المرض.
* إذا كان الصوم
يسبب للمريض إغماءً فيجب عليه الفطر ثم يقضي6، وإذا أُغمي عليه أثناء
النهار ثم أفاق قبل الغروب أو بعده فصيامه صحيح ما دام أصبح صائماً، وإذا
طرأ عليه الإغماء من الفجر إلى المغرب فالجمهور على عدم صحة صومه، أما قضاء
المغمى عليه فهو واجب عند جمهور العلماء مهما طالت مدة الإغماء7.
هذه
بعض أحكام صيام المريض مما يجب التنبه لها ومعرفتها، نسأل الله - تعالى -
أن يرزقنا وإياكم العافية والسلامة، وصلى الله على محمد وآله وصحبه.
__________________________________________________
1 سورة البقرة (286).
2 سورة البقرة (185).
3 سورة البقرة (185).
4 سورة البقرة (184).
5 رواه البخاري برقم (1816).
6 الفتاوى (25/217).
7 المغني مع الشرح الكبير (1/412)، (3/32)، والموسوعة الفقهية الكويتية (5/268)